على قدر أهل العزم تأتي العزائم
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
بعض الرجال أصحاب همم كبار، يأتي الزمان بهم تعويضاً عن حِقب أجدبت من الرجولة، وأقفرت من العزمات، وتجود بهم الأمم بعد مخاض عسير، وآلام مبرحة، وأزمات شداد، لتبرهن بهممهم على معدنها الأصيل، ورحمها الطاهر، ونفسها الأبية، تصنعهم الأمم صناعة متفردة، بالمعنى الرفيع الذي يفهمه المكافح من لفظة الرجل، ويلحظه المثقف من معنى الإنسان، ويعرفه المفكر بمقياس العظمة، لو حلّلتهم إلى عناصرهم الحقيقية، لتفرد لك الصدق، والإباء، والعمق، والعقل والعبقرية، والإبداع، والأمل، والعزم، والريادة، والأحلام الكبار، فهم كما يقول واصفوهم: لا تطالع أحدهم من أية جهة إلا غمر نفسك بجلال العظمة، وشغل رأسك بخيال العبقري، وأخذ حسك بروعة البطل، ليس كسائر الناس عظمته موضع الشذوذ في بشريته، وعبقريته بعض الكمال في نقصه، وقوته عرض متنقل في ضعفه، وإنما عظمته أصل في طبعه، وعبقريته فطرة في خلقه، وقوته جوهر في إرادته، ونبوغه قوة في ملكته، فهو إبهار في مواهبه، إشعاع في عطائه، رقة في جرأة، إنسانية في شمم، قهر في رجولة، خلق في عظمة، يجمع في كيانه عناصر الشخصية الجبارة التي تأمرك وكأنها تستشيرك، وتقودك وكأنها تتبعك، هم جزء من ثروة الأمة الحضارية على قلتهم، وصرح عظيم في بنية الشعوب الفكرية على ندرتهم، وسند متين لقوة البلاد السياسية والدولية على ضآلتهم.
وبعض الأقزام تخرجهم الأمم الهابطة علامة على تصحرها وجدبها ومواتها، كما تخرج البطون خبث الأطعمة، وتلقيهم الشعوب المريضة كما تلقي الجروح تقيُّحاتها النتنة، وتلفظهم الأيام العجاف كما تلفظ الأمواج الجيف المهترئة، فتضرب عليهم الأقدار الكؤود بسهم من الضياع والتحلل! فما بالك إذا اجتمع هؤلاء في أمة، واصطف هؤلاء في شعب؟! فلا شك أن الحياة تركلهم، والأمم تطاردهم، والزمان يواريهم التراب، لأنهم يسيرون في الحياة كقطعان ضالة، قد تلحظهم في كثير من الأمم المتخلفة، يعيشون في أوطان من غير منهج، ودول من غير سياسة، وتجمعات بدون هوية، كُتبت عليهم الذلة والمسكنة، وفرضت عليهم التبعية والعمالة، فقتلت في نفوسهم العزم المستقل، والموهبة الرائدة، والفكر الناهض، والعقل النابه، فهم جموع من الناس، وأوزاع وأفواج تنظر إلى الأمم تعمل وإلى العالم يسير، بعيون بلهاء، وعقول خرقاء، لا تجد في خواطرهم إشعاع أفكار متَّقدة، أو تجري في نفوسهم خواطر أحلام كبار، فهم والحق يقال، وباء في الأمم، وجراثيم في الشعوب، وتجدهم لا يقوم بهم أمر، أو تنتصر بهم أمة، يسيرون خلف قيادات رخوة، وسياسات مستكينة، وإرادات معطلة، رسالتهم متابعة هوى الغالب، ومنافقة إرادة الدخيل، ومصانعة أية دولة متسلطة!
وقد تسائل نفسك: وهل لهؤلاء وأولئك أحلام، أو همم؟
لأن الرجال بالهمم وبالأحلام والحلوم، لا بالأجساد والجثث والبذات والرسوم، ولا يبني الرجال إلا الهمم والآمال التي تُراود النفوس الكبار، يعيشون لها، وينعمون بها، ويموتون في سبيلها هانئين راضين، تحققت أو لم تتحقق، جادت بها الأيام أم نبت عنها: مُنىً إن تكن حقاً تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بهـا زمناً رغْدَا أمانيّ فـي نفسـي رواء كأنـما سقتك بها سلمى على ظمأٍ برْدَا وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وأمتنا أمة العزائم، وأمة الخلود والمجد والفروسية والبأس والأحلام الكبار والمنى العظام، تقتنص الشموس وتصارع الأفلاك، ويحكي التاريخ قول رسولها الكريم "صلى الله عليه وسلم" لعمه حين أراد أن يثنيه عن غايته أو يقعده عن هدفه: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، ويقول في مواجهة العواصف، وملاطمة الأمواج ومغالبة الكفر: «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»، ويبشر أصحابه المطاردين في الفيافي، والمشتتين في البلاد والصامدين تحت العذاب، بالفتح والنصر والتمكين وفتح بلاد كسرى وقيصر، وأحدهم لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده، ويُسمعهم الوعد الذي يعلو على الأحلام، ويتفوق على الأماني، ويتسامى عن الخيال فيقول: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } [النور:55] .
هذه العزائم الصدق، هي التي بنت أمة طاولت النجوم، وهذّبت العواصف، وثبَّتت الجبال، ودان لها الأكاسرة والقياصرة وأنستهم وساوس الشيطان، وهذه الهمم هي التي رفعت ألوية التوحيد وطاردت الوثنية والفساد وعبادة الأهواء، وفتحت البلاد، وهدت العباد، حتى قال عقبة بن عامر، أحد قواد المسلمين يخاطب البحر: «والله يا بحر، لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتك بفرسي هذا غازياً في سبيل الله»، وهنا يرفرف فوق الجميع تلك الكلمات التي قالها رسول الإسلام يخاطب الغيب، لأنه يعرف همم من ربَّى وعزائم من عَلَّم : «والله ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولن يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام، يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، عزاً بالإسلام وذلاً بالكفر». هذه يا صديقي عزمات الكبار والعمالقة، أما الصغار، فليست لهم عزمات أو همم، أو حتى حلوم، وإنما لهم فساد يطلقون عليه همة، وخراب يطلقون عليه قوة، وغرور وسفه يسمونه عزماً: سريع إلى ابن العم يلطم خدَّه وليس إلى داعي الندى بسريع وتنقلب الأمور؛ فيُصادَق العدو، وتُقتل الشعوب وتُمتهن، وتتسمى الأشياء بغير أسـمائها.. يرى الجبناءُ أن الجبنَ حَزْمٌ وتلك خديعةُ الطبـع اللئيـمِ فبهذه المسميات الخرقاء تنتكس الأمم، وتذوق وبال سفه الصغار، فتصاب الشعوب في حريتها فتصبر، وتُؤذى في كرامتها فتستكين، وتُفتن في عقيدتها فتستسلم؛ لأنها في رحاب الضعاف والأقزام.. وهل تستوي يا صديقي عزمات الكبار والصغار؟ حقيقي لا تستوي!
وهل تستوي أممهم وشعوبهم وقيمهم؟
أبداً لا يستوون، لا يستوون!
بعض الرجال أصحاب همم كبار، يأتي الزمان بهم تعويضاً عن حِقب أجدبت من الرجولة، وأقفرت من العزمات، وتجود بهم الأمم بعد مخاض عسير، وآلام مبرحة، وأزمات شداد، لتبرهن بهممهم على معدنها الأصيل، ورحمها الطاهر، ونفسها الأبية، تصنعهم الأمم صناعة متفردة، بالمعنى الرفيع الذي يفهمه المكافح من لفظة الرجل، ويلحظه المثقف من معنى الإنسان، ويعرفه المفكر بمقياس العظمة، لو حلّلتهم إلى عناصرهم الحقيقية، لتفرد لك الصدق، والإباء، والعمق، والعقل والعبقرية، والإبداع، والأمل، والعزم، والريادة، والأحلام الكبار، فهم كما يقول واصفوهم: لا تطالع أحدهم من أية جهة إلا غمر نفسك بجلال العظمة، وشغل رأسك بخيال العبقري، وأخذ حسك بروعة البطل، ليس كسائر الناس عظمته موضع الشذوذ في بشريته، وعبقريته بعض الكمال في نقصه، وقوته عرض متنقل في ضعفه، وإنما عظمته أصل في طبعه، وعبقريته فطرة في خلقه، وقوته جوهر في إرادته، ونبوغه قوة في ملكته، فهو إبهار في مواهبه، إشعاع في عطائه، رقة في جرأة، إنسانية في شمم، قهر في رجولة، خلق في عظمة، يجمع في كيانه عناصر الشخصية الجبارة التي تأمرك وكأنها تستشيرك، وتقودك وكأنها تتبعك، هم جزء من ثروة الأمة الحضارية على قلتهم، وصرح عظيم في بنية الشعوب الفكرية على ندرتهم، وسند متين لقوة البلاد السياسية والدولية على ضآلتهم.
وبعض الأقزام تخرجهم الأمم الهابطة علامة على تصحرها وجدبها ومواتها، كما تخرج البطون خبث الأطعمة، وتلقيهم الشعوب المريضة كما تلقي الجروح تقيُّحاتها النتنة، وتلفظهم الأيام العجاف كما تلفظ الأمواج الجيف المهترئة، فتضرب عليهم الأقدار الكؤود بسهم من الضياع والتحلل! فما بالك إذا اجتمع هؤلاء في أمة، واصطف هؤلاء في شعب؟! فلا شك أن الحياة تركلهم، والأمم تطاردهم، والزمان يواريهم التراب، لأنهم يسيرون في الحياة كقطعان ضالة، قد تلحظهم في كثير من الأمم المتخلفة، يعيشون في أوطان من غير منهج، ودول من غير سياسة، وتجمعات بدون هوية، كُتبت عليهم الذلة والمسكنة، وفرضت عليهم التبعية والعمالة، فقتلت في نفوسهم العزم المستقل، والموهبة الرائدة، والفكر الناهض، والعقل النابه، فهم جموع من الناس، وأوزاع وأفواج تنظر إلى الأمم تعمل وإلى العالم يسير، بعيون بلهاء، وعقول خرقاء، لا تجد في خواطرهم إشعاع أفكار متَّقدة، أو تجري في نفوسهم خواطر أحلام كبار، فهم والحق يقال، وباء في الأمم، وجراثيم في الشعوب، وتجدهم لا يقوم بهم أمر، أو تنتصر بهم أمة، يسيرون خلف قيادات رخوة، وسياسات مستكينة، وإرادات معطلة، رسالتهم متابعة هوى الغالب، ومنافقة إرادة الدخيل، ومصانعة أية دولة متسلطة!
وقد تسائل نفسك: وهل لهؤلاء وأولئك أحلام، أو همم؟
لأن الرجال بالهمم وبالأحلام والحلوم، لا بالأجساد والجثث والبذات والرسوم، ولا يبني الرجال إلا الهمم والآمال التي تُراود النفوس الكبار، يعيشون لها، وينعمون بها، ويموتون في سبيلها هانئين راضين، تحققت أو لم تتحقق، جادت بها الأيام أم نبت عنها: مُنىً إن تكن حقاً تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بهـا زمناً رغْدَا أمانيّ فـي نفسـي رواء كأنـما سقتك بها سلمى على ظمأٍ برْدَا وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وأمتنا أمة العزائم، وأمة الخلود والمجد والفروسية والبأس والأحلام الكبار والمنى العظام، تقتنص الشموس وتصارع الأفلاك، ويحكي التاريخ قول رسولها الكريم "صلى الله عليه وسلم" لعمه حين أراد أن يثنيه عن غايته أو يقعده عن هدفه: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، ويقول في مواجهة العواصف، وملاطمة الأمواج ومغالبة الكفر: «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»، ويبشر أصحابه المطاردين في الفيافي، والمشتتين في البلاد والصامدين تحت العذاب، بالفتح والنصر والتمكين وفتح بلاد كسرى وقيصر، وأحدهم لا يأمن أن يذهب إلى الخلاء وحده، ويُسمعهم الوعد الذي يعلو على الأحلام، ويتفوق على الأماني، ويتسامى عن الخيال فيقول: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } [النور:55] .
هذه العزائم الصدق، هي التي بنت أمة طاولت النجوم، وهذّبت العواصف، وثبَّتت الجبال، ودان لها الأكاسرة والقياصرة وأنستهم وساوس الشيطان، وهذه الهمم هي التي رفعت ألوية التوحيد وطاردت الوثنية والفساد وعبادة الأهواء، وفتحت البلاد، وهدت العباد، حتى قال عقبة بن عامر، أحد قواد المسلمين يخاطب البحر: «والله يا بحر، لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضتك بفرسي هذا غازياً في سبيل الله»، وهنا يرفرف فوق الجميع تلك الكلمات التي قالها رسول الإسلام يخاطب الغيب، لأنه يعرف همم من ربَّى وعزائم من عَلَّم : «والله ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولن يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام، يعز عزيزاً ويذل ذليلاً، عزاً بالإسلام وذلاً بالكفر». هذه يا صديقي عزمات الكبار والعمالقة، أما الصغار، فليست لهم عزمات أو همم، أو حتى حلوم، وإنما لهم فساد يطلقون عليه همة، وخراب يطلقون عليه قوة، وغرور وسفه يسمونه عزماً: سريع إلى ابن العم يلطم خدَّه وليس إلى داعي الندى بسريع وتنقلب الأمور؛ فيُصادَق العدو، وتُقتل الشعوب وتُمتهن، وتتسمى الأشياء بغير أسـمائها.. يرى الجبناءُ أن الجبنَ حَزْمٌ وتلك خديعةُ الطبـع اللئيـمِ فبهذه المسميات الخرقاء تنتكس الأمم، وتذوق وبال سفه الصغار، فتصاب الشعوب في حريتها فتصبر، وتُؤذى في كرامتها فتستكين، وتُفتن في عقيدتها فتستسلم؛ لأنها في رحاب الضعاف والأقزام.. وهل تستوي يا صديقي عزمات الكبار والصغار؟ حقيقي لا تستوي!
وهل تستوي أممهم وشعوبهم وقيمهم؟
أبداً لا يستوون، لا يستوون!
منقول
تعليقات
إرسال تعليق